العلاقات التركية التونسية: التبادل التجاري والاستثمار

يرجع تاريخ الوجود التركي في تونس إلى قرون عديدة ففي عام 1533 سيطر البحار خير الدين بربروس على تونس، بأمر من الخليفة العثماني سليمان البحار، فحررها بذلك من ملكها حسن الحفصي الذي كان متحالفاً مع الدول الأوروبية، وعين مكانه أخاه الحسن بن محمد على تونس، معلناً ضم تونس للدولة العثمانية؛ وبعد عودة الإسبان مجدداً للسيطرة على تونس أمر السلطان سليمان القانوني وزيره سنان باشا بالتوجه إلى تونس وفتحها عام  1574، ومع إحكام العثمانيين سيطرتهم على تونس عام 1574 وبقائها معهم لمدة 300 عام، فقد وُضع حد للفوضى التي عرفتها البلاد في القرن الـ16؛ وبدأت تونس مرحلة جديدة من الاستقرار النسبي عرفت خلالها نهضة اقتصادية وانتعاشًا للحياة العلمية والثقافية، كما نجم عن دخول الأتراك إلى تونس تحولات عميقة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وأفضى إلى إكساب مشروع الدولة المراقبة لمجالها الجغرافي المسيطرة على عمرانها جذوراً محلية عميقة.

ومما يدل على متانة العلاقات التركية التونسية أن الأرشيف التركي يضم نحو 50 ألف وثيقة عن تونس وحدها!

كما يرتبط الأتراك بالتونسيين بعلاقات وطيدة من خلال الأتراك التوانسة، أو ما يعرفون بالتُرك التونسيين، وهم إحدى مكونات المجتمع التونسي، ويُعتبرون من الأقليات العرقية في تونس، ويصل عددهم وفقاً لبعض التقديرات إلى أكثر من 500 ألف نسمة في تونس.

 التونسيون في تركيا: التواجد التونسي في تركيا

احتضنت تركيا أضرحة ثلاثة قادة تونسيين بارزين، وهم: هنيبعل الذي دُفن في تركيا سنة 183 قبل الميلاد، والوزير المصلح خير الدين التونسي الذي تولى منصب الصدر الأعظم للدولة العثمانية (1878- 1879)، والزعيم علي باش حانبة، مؤسس حركة الشباب التونسي الذي استقر في إسطنبول بعد أن نفاه الاستعمار الفرنسي سنة 1912.

وكانت حرب القرم، ذات دلالة كبيرة على ما بين التونسيين والأتراك من روابط تاريخية، فكما أن الأتراك قدموا دماءهم لأجل التونسيين لمواجهة الغزو الأوروبي على تونس فكذلك فإن التونسيين قدموا دماءهم لأجل الدولة العثمانية وذلك في حرب القرم وهي الحرب المهمة بين روسيا والعثمانيين، فقد أرسلت تونس في هذه الحرب 14 ألف جندي ليحاربوا في صفوف العثمانيين ضد الروس.

ويشار إلى أن أكثر أولئك استشهدوا في حرب القرم وبقي منهم عدد قليل، هذا العدد القليل كان نواة تأسيس" قرية التوانسة" في تركيا، والتي تقع في ولاية "قسطموني" التركية المطلة على ساحل البحر الأسود.

ويرجع تاريخ (Tunuslular köyü) كما يُطلق عليها بالتركية، وتعني قرية التونسيين إلى الجنود التوانسة الذين شاركوا في حرب القرم عام 1853م، والتي اندلعت بين الدولة العثمانية آنذاك وروسيا، حيث كانت تونس تتبع للدولة العثمانية، وبالتالي كان الكثير من أبنائها ضمن جنود الجيش العثماني في تلك الفترة، وقد سُميت القرية بهذا الاسم تكريماً للجنود التونسيين وتخليداً لشجاعتهم وبطولاتهم في المعركة، وما تقدم يؤكد ما أشرنا إليه من عراقة تاريخ العلاقات التركية التونسية.

بارتفاعٍ متواتر ومتسارع خلال ما ينوف عن عقدين من الزمن، بدأت زيادة ملحوظة في صادرات تركيا إلى تونس بمعدل سنوي يتراوح حول 9.46 %، حيث ارتفع حجم الصادرات من تركيا إلى تونس من 108 ملايين دولار في عام 1995، إلى 928 مليون دولار في عام 2020.

ولا زال المنتج التركي يزاحم على الصدارة بين بقية المنتجات العالمية على رفوف المتاجر وفي الأسواق التونسية، بسبب ما حققه من قبول شعبي واضح، مما حدا بحركة تجارية متسارعة الوتيرة نتحدث عن تفاصيلها في مقالنا هذا.

ما هي أهم الاستثمارات التركية في تونس وكم حجمها؟

عند كلامنا عن أهم الاستثمارات التركية في تونس سنجد أن الاستثمارات التركية اختارت المنشآت الحيوية، والتي هي -وإن كانت قليلة نسبياً- إلا أنها مؤثرة بقدر كبير في القطاع الاقتصادي التونسي.

وفي تصريح لمدير شركة غلوبال الاستثمارية التركية قال فيه: "إنهم يرغبون بالاستثمار في تونس، ويهتمون بها، وشدد على أن تونس بلد مهم في السياحة، وخاصة في المجال البحري وأضاف أن "الموارد البشرية في تونس غنية جداً والجميع يتقنون اللغة الفرنسية".

وعن عدد الشركات التركية التي تعمل في تونس فقد بلغت 75 مؤسسة بقيمة استثمارات تقدر بـ 2.3 مليار دينار تونسي، وتشغل 1600 يد عاملة تونسية وفق أرقام تعود لسنة 2017.

ثم ارتفعت هذه الأرقام عام 2021 لتبلغ الشركات التركية في تونس نحو 200 شركة مسجلة في تونس، 24 منها صناعية والأخرى تجارية؛ ومن الاستثمارات التركية الكبيرة برز استثمار شركة تاف التركية بعقد استثمار مطار المنستير الدولي شرق العاصمة، وكذلك عقد بناء واستثمار مطار النفيضة الدولي في الوسط الشرقي للبلاد وذلك   لمدة 40 عاماً بقيمة 400 مليون يورو (534.7 مليون دولار).

وصل حجم التبادل التجاري بين تركيا وتونس خلال العام 2017 إلى 1.12 مليار دولار، ويتركز استثمارات التونسيين في تركيا على القطاع التجاري من الاستيراد والتصدير، وقطاع السياحة.

إلا أنه وفي الآونة الأخيرة كان هنالك توجه لبعض التونسيين في الاستثمار بالقطاع العقاري التركي، من خلال شرائهم عقارات في تركيا.

اقرا المزيد عن  الاستثمار العقاري في تركيا

التبادل التجاري بين تركيا وتونس

 ما هي أهم صادرات تركيا لتونس؟

توصف السوق التونسية بأنها من بين الأسواق المهمة التي تستورد البضائع التركية في الشمال الإفريقي، فالمنتجات التركية في أسواق تونس تمتاز برواجها الكبير، والإقبال الهائل عليها، وذلك لما تتمتع به من جودة عالية وأسعار تنافسية، مقارنة مع غيرها من المنتجات الأخرى، ومن بين تلك المنتجات نجد الملابس والمنسوجات التركية ذات الجودة العالية والتصاميم الرائعة.

كما تستورد تونس من تركيا نحو 90 مادة من بينها نباتات الزينة وآلات الموسيقى والمواد المكتبية ومختلف المواد الغذائية، ومواد البناء والخشب والأثاث. 

ومن بين صادرات تركيا لتونس نذكر:

النسيج، والأقمشة المحبوكة، والمنسوجات التقنية، والمنسوجات المنزلية، والمنتجات شبه المصنعة من الحديد والصلب غير المسبوك، والمنتجات والأنابيب المدرفلة المسطحة، والغازات البترولية، والزيوت ومشتقاتها، ومنتجات الورق والكرتون، والسيارات، وقطع غيار السيارات، وقطع الغيار، والأجهزة الكهربائية، والفاكهة القشرية، والمأكولات البحرية، والمنتجات الغذائية المختلفة، وقضبان الألمنيوم، ومواد التغليف البلاستيكية، ومواد الملابس المختلفة.

 ما هي أهم الصادرات التونسية إلى تركيا؟

توصف الصادرات التونسية إلى تركيا بأنها أقل من مثيلتها التركية إلى تونس، وقد يُعزى التفاوت الكبير في الميزان التجاري بين البلدين إلى تأثير الاضطرابات السياسية التي شهدتها تونس في الآونة الأخيرة والتي أثرت على مستوى الإنتاج؛ إلا أننا نذكر من بين صادرات تونس إلى تركيا الفوسفات، بالإضافة إلى التمور.  

 ما هو حجم التبادل التجاري بين تركيا وتونس؟

وفقاً لإحصائية تعود لعام 2020 فقد بلغ التبادل التجاري بين تركيا وتونس 1.09 مليار دولار، وكانت قيمة الصادرات التركية إلى تونس قد بلغت 928 مليون دولار مقارنة بـ (887 مليون دولار في 2019)، أما واردات تركيا من تونس فقد انخفضت عام 2020 إلى 160 مليون دولار، بعد أن كانت سجلت 190 مليون دولار في عام 2019.

الاستثمارات التونسية في عقارات تركيا

بموجب القانون التركي الخاص بشراء الأجانب للعقارات في تركيا فإنه يحق للتونسيين شراء عقارات في البلاد، وبالتالي يمكنهم الاستفادة من قانون منح الجنسية التركية للأجانب في حال شرائهم عقارات بقيمة 400 ألف دولار أمريكي.

وكان للمواطنين التونسيين حضور في سوق شراء الأجانب للعقارات في تركيا خلال الفترة الماضية، لكنه يصنف على أنه ضعيف مقارنة بالجنسيات الأجنبية الأخرى.

ويفضل بعض التونسيين شراء العقارات في تركيا لأهداف عدة، منها الاستثمار، أو الاستقرار، أو الحصول على الجنسية التركية.

عند الحديث عن مستقبل العلاقات التركية التونسية فإنه ينبغي أن نلاحظ ما قدمته تركيا إلى تونس والذي من شأنه أن يسهم في المحافظة على علاقات جيدة بين البلدين من الناحية الاقتصادية.ففي عام 2012 ومن أجل ضمان التحول الاقتصادي بعد ثورة الياسمين في تونس، قررت تركيا تقديم 500 مليون دولار لدعم تونس، منها 400 مليون قرض و100مليون منحة.كما تم التوقيع على اتفاقية قرض من تركيا إلى تونس بمبلغ 200 مليون دولار أمريكي في 6 آب/أغسطس من عام 2018.كما التزمت تركيا في المؤتمر الدولي للدعم الاقتصادي والاستثمار في تونس الذي عُقِد في 29-30 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 بدعم قرض إضافي بقيمة 100 مليون دولار.
بالإضافة إلى أنه تم تحويل 5 ملايين دولار من دعم الميزانية المقدم من تركيا لدعم جهود تونس لمكافحة وباء COVID-19 في 29 كانون الأول/ديسمبر 2020.

تحرير: امتلاك العقارية©